تعبيرا عن الأهداف النبيلة والقيم الجميلة والمعاني السامية للوجود المسرحي، يحتفل جمهور المسرح يوم السابع والعشرين من شهر مارس من كل عام، باليوم العالمي للمسرح

بدأت فكرة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح في فيينا خلال المؤتمر العالمي التاسع للمعهد الدولي للمسرح، ويذكر أن منظمة اليونسكو ونخبة من شخصيات المسرح أسست ، المعهد الدولي للمسرح عام 1948، وهو من أهم المنظمات الدولية غير الحكومية في مجال الإنجاز الفني ويسعى المعهد للارتقاء بالتبادل العالمي للمعرفة والتطبيق العملي في مجال تقديم الفنون وتشجيع الإبداع وتعميق التعاون المشترك للمساهمة في تدعيم السلام والصداقة بين الشعوب.

وجرى الاحتفال الأول في السابع والعشرين من مارس عام  1962، في باريس وتم الاتفاق على تقليد سنوي يتمثل بأن تكتب إحدى الشخصيات المسرحية البارزة في العالم، بتكليف من المعهد الدولي للمسرح، رسالةً دوليةً تترجم إلى أكثر من عشرين لغة، وتعمم إلى جميع مسارح العالم، حيث تقرأ خلال الاحتفالات المقامة في هذه المناسبة، وتنشر في الصحف والمجلات وتذاع في محطات الإرسال الإذاعي والتلفزيوني ووكالات الأنباء في جميع أنحاء العالم.

 وكان المعهد العالمي للمسرح قد رشح المسرحي الإيطالي داريو فو لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح لهذا العام 2013، وتم رفعها على موقعه على الإنترنت ليسهل الوصول إليها من قبل المؤسسات المسرحية عالمياً.

وفيما يلي نص الرسالة وقد ترجمها إلى العربية يوسف عايدابي:

 “منذ زمن سالف بعيد حلت قوة التعصب عدم تحملها لممثلي الكوميديا الهزلية بطردهم إلى خارج البلاد، واليوم يواجه الممثلون وجماعات المسرح الصعوبات في العثور على المسارح العامة ودور العرض وحتى المشاهدين، كل ذلك بسبب الانهيار الاقتصادي، لذلك لم يعد الحكام مهتمين بأمر السيطرة على أولئك الذين يعبرون عن أنفسهم بالسخرية والتهكم، طالما لم يعد هناك من مكان للممثلين، بل ولا يوجد جمهور نظارة لمخاطبته.

على النقيض، ففي أثناء عصر النهضة، وفي إيطاليا، كان على أولئك الذين في الحكم أن يبذلوا جهداً مهماً لكي يحملوا ممثلي الهزليات ليبعدوا بعيداً عن جمهور كبير استمتع بعروضهم كثيراً.

لقد بات معروفاً أن النزوح الجماعي الواسع للاعبي الكوميديا المرتجلة حدث في قرن الإصلاح الذي أمر بتفكيك كل خشبات المسارح خصوصاً في روما حيث اتهم الممثلون بإهانة المدينة المقدسة، لقد أمر البابا الثاني عشر في العام 1697م، تحت ضغط الطلبات الملحة من الفئة الأكثر محافظة من البرجوازية ومن الدعاة الرئيسيين لرجال الكنيسة، بهدم مسرح توردينونا الذي، طبقاً لفلاسفة الأخلاق، قد نظم العدد الأعظم من العروض غير اللائقة.

في عصر الإصلاح ألزم الكاردينال كارلو بروميو، الذي كان نشطاً في شمال إيطاليا، نفسه بإصلاح (أطفال ميلانو)، إذ فرق بوضوح بين الفن – باعتباره الشكل الأعلى للتربية الروحية، وبين المسرح – باعتباره مظهراً للتجديف والهباء. وفي رسالة موجهة إلى معاونيه، التي اقتبس منها الخلاصة، يعبر عما يدور في نفسه كما يلي : “في اهتمامنا باستئصال النبتة الضارة الشريرة بذلنا أقصى ما يمكن لحرق النصوص التي تحتوي خطابات سيئة السمعة لمحوها من ذاكرة الرجال، وفي نفس الوقت لمحاكمة أولئك الذين أباحوا طباعة مثل هذه النصوص أيضاً”.

من الواضح، على أية حال، إنه بينما كنا نحن نياماً، كان الشيطان قد عمل بالخداع من جديد؛ فكيف يكون اختراق الروح أكثر بكثير مما يمكن أن ترى العيون، ومما يكون قد تمت قراءته من مثل تلك الكتب؟! كيف يمكن أن يكون التدمير لعقول المراهقين والبنات الشابات بواسطة الكلمة المنطوقة والإيماءة الملائمة أكثر بكثير من كلمة ميتة مطبوعة في كتب؟! لذلك، فإنه من الضروري تخليص مدننا من صناع المسرح، كما نفعل بالأرواح غير المرغوبة”.

وعليه، فالحل الوحيد للأزمة يكمن في الأمل بتنفيذ إقصاء واسع منظم ضدنا، وخصوصاً ضد الشباب من الذين يرغبون في تعلم فن المسرح : شتات جديد للكوميديان، لصناع المسرح، الذين يستخلصون من مثل هذه العبء الثقيل منافع مستحيلة التصور بلا شك لأجل تمثيل وتشخيص جديد”.

داريو فو في سطور

 

داريو فو من مواليد ليجونيو- سانجيامو بإيطاليا سنة 1926. وتلقى تعليمه في الفنون الجميلة والعمارة في مدينة ميلانو الإيطالية، ولكنه ما لبث أن اتجه للمسرح وكانت بدايته في التمثيل عام 1952، وفي سنة 1959م أسس مع زوجته ريم فرقة قام فيها بدور الكاتب والمنتج والممثل.

داريو فو كاتب وممثل مسرحي إيطالي فاز بجائزة نوبل للأدب لعام 1997، ويعد من أعمدة المسرح الإيطالي لاسيما في مجال التمثيل الكوميدي والمسرح السياسي الذي اشتهر به على نطاق شعبي واسع، وقد ارتبط اسمه بالحزب الشيوعي الإيطالي فترة من الوقت، وحين انفصل عنه فيما بعد لم يخفت صوته الانتقادي المسرحي للمؤسستين السياسية والدينية في إيطاليا.

كتب داريو فو ما لا يقل عن أربعين مسرحية، شاركته في معظمها زوجته الممثلة الإيطالية فرانكا ريم، ومن تلك المسرحيات (موت فوضوي بالصدفة) عام 1970 و مسرحية (لا نستطيع أن ندفع، لن ندفع) عام 1974،  كما اشتهر فو بعروضه الفردية التي من أشهرها (المسرحية الهزلية الغامضة) عام 1974، التي بناها على نمط مسرحي ديني شاع في العصور الوسطى بأوروبا باسم المسرحية الغامضة، وكان فو يغير موضوع المسرحية بتغير الجمهور.