عن الثقافة وشجونها
أ.حسن فرج اونيس
إدارة الشأن الثقافي رغم المتعة التي تستقيها من ينابيع المعرفة المت دفقة من شتى مناحيه ، لكنها أيضأ عبء ثقيل تنوء بحمله الجبال ؛ فأنت تتعامل مع شريحة صعبة المراس ، مختلفة الأهواء ، متباينة الأمزجة ، قد تغفر أفظع الأخطاء وتقاضيك لأتفه الأسباب ، تجمُّع تلتقي فيه كل التناقضات ، فيهم العاشق الولهان الذي ترضيه إبتسامة وكلمة تسرُّ الخاطر ، ومنهم الثائر الحيران الذي يشتط غضباً لصغائر الأمور ولا يكف عن المناكفة . هم صفوة الصفوة لكنهم دائمو الشكوى لأبسط الأسباب ، وبنفس القوّة تلقاهم عند مواضع الشهامة و مواقف النخوة .
إدارة الشأن الثقافي وعن تجربة لا تتطلب شاعراً فحلاً ولا أديباً آريباً بل إنساناً يجيد كتم عواطفه ويعرف متى وأين يوظِّف مشاعره ومتى يكون الغضب واجب ومتى يكون الحُلم سبيلاً للخلاص . إدارة هذا المجال الذي يعِجُّ بالنوابغ لا يحتاج لمن ينافسهم بل إلى من يُذكي عقولهم التوّاقة للإبداع ويغذي وشائجهم بشحنات من الحب تدفع إلى تدفق إنتاجهم وتطوير أنفسهم. هذا الفضاء المتعدد الأوجه والوجوه يريد من يحضن رموزه ويستقبل نجومه لا من يجادلهم ويستعرض عضلاته لإرهابهم .
لقد آلينا على أنفسنا في الهيئة العامة للثقافة أن نكون خدماً لمعشر المثقفين ، نهلل فرحين بمن جاءنا مقبلاً منهم ، ويحمِلُنا الشوق لهفة ولوعة إلى من غاب عنّا أو منعته الظروف عن زيارة مرابعنا . يسعدنا اللقاء بكل عاشق للثقافة أو هائم بشجونها ، ونبتهج غبطة وسرورا لكل حدث ثقافي دون الإلتفات لمن دعا إليه ونسعى حثيثاً لرعايته والسهر على ضمان نجاحه . هذا ديدن اللجنة التسييرية للهيئة العامة للثقافة وهذا صراطها الذي اتخذته درباً تلتزم بمساره ولا تحيدُ عن معراجه ، ولهذا طفنا البلاد جيئة وذهابا ننشر المراكز الثقافيّة ونؤسس المكاتب في كل بلدية لتمثلنا وتنفذ خططنا للنهوض بالثقافة ورعاية أهلها ، ولهذا اسسنا منتدى للمثقفين والكُتّاب في القبة السماوية في العاصمة فيه رواقاً لجمهرة المثقفين يضم مكتبة ضخمة تعُجُّ بألاف العناوين من الكُتب القيمة وروائع الأدب العالمي متاحة يوميّاً للمطالعة في جو هاديء ومكان مريح وبجانبها صالة للمحاضرات والندوات والأصبوحات والأماسي الشعريّة تدار بواسطة المبدعين انفسهم دون تدخل من غيرهم لا إحتكار فيها للوقت ولا حضر فيها على مايطرحون من أفكار وأراء ورؤى . هذا عدا عن الخطط والدراسات التي أُعِدّت من قبل الهيئة تنتظر الدعم المادي من قبل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني التي شرّفتنا بهذا التكليف حتى نتمكن من تنفيذها خدمة للثقافة والمثقفين وقبل هذا وذاك خدمة للوطن الحبيب .
لم نكتف بكل هذا فنحن لا نكِل ولا نمِل والجراب مازال ممتلئاً بالمفاجآت لعل احدثها مانقوم به هذه الأيام من التحضير لإرسال (وفد المصالحة) يضم مجموعة متتقاة من أعلام البلد وحكمائه وخيرة مثقفيه سيضطلع بمهمة وطنية إنسانيُة بحتة تتلخلص في أن يجوب البلاد بطولها وعرضها جنوبها وشمالها ، غربها وشرقها لزيارة كل المدن والإلتقاء بكبار القوم وأصحاب المشورة والرأي ومن يملكون القدرة على التأثير والحسم لمحاورتهم في الشأن المحلي وكيف السبيل إلى الإلتقاء على حب “ليبيا” وإنقاذ هذا الوطن قبل أن يضيع وتتشتت أوصاله ، لا يحمل هذا الوفد في جعبته سوى الأماني الطيبة والإرادة الوطنية الخالصة والإحساس الصادق بهول ماينتظر هذه الأرض ، وهي رسالة غرسناها في أعضاء الوفد لأنها في الأصل تسكن جوارحنا وتسرح في ماآقي أعيننا ، عاشت “ليبيا” .