إن الثورات الكبرى التي تغير مجرى التاريخ، و تؤسس لمراحل جديدة في تاريخ الأمم، هي تلك الثورات التي تقتلع من الجذور تلك المفاهيم الخاطئة و الممارسات المقيتة، والسلوكيات البغيضة، التي تنحرف بالإنسان عن جادة الطريق وسواء السبيل، وتتعدى على حريات الآخرين و تبيح لنفسها زوراً وبهتاناً التعدي عليهم والإساءة لهم، سواء أكانت تلك الإساءة مادية أم معنوية، فمحصلة الفعل المشين لا تختلف.

 و لعل راصدي حركة التاريخ المعاصر سيقفون طويلاً أمام ما أنجزه الشعب الليبي ، حين فجر ثورته في السابع عشر من فبراير، ليسدل الستار إلى الأبد على زمن كان عنوانه امتهان الإنسان، و انتهاك حرماته، والتعدي على خصوصياته، والرفض المطلق للآخر وتخوينه وتسفيه كل ما يطرح وإدانته والاعتداء على حريته وعلى حياته تحت مبررات واهية وشرعية ظالمة.

لقد ثار الليبيون الشرفاء ليقضوا على كل ظلمات تلك الحقبة، و يرسخون القيم الجديدة قيم الحق والخير والعدالة والمروءة والنبل، وهو ما تجلى في معارك التحرير المباركة. ولن يرضى الليبيون أنفسهم الثائرون الحقيقيون أن يدنس ثوب ثورتهم الناصع، أو أن يلطخ جبينها الطاهر، بسلوكيات قلة تتمثل للأسف سلوكيات الماضي البغيض، وتستحضر ممارساته المقيتة، وتتقمص شخوصه المجردة من الأخلاق والقيم والمثل العربية والإسلامية الأصيلة السمحاء.

إن مظاهر الاستقواء والاستعلاء وانتهاك القوانين والتعدي على من وضعوا في مواقع المسؤولية، بتقمص لباس الثورة وهي منهم براء، واستباحة كل شيء استغلالاً كريهاً لمناخ الحرية المطلقة، التي تحققت بفضل تضحيات الرجال الأشاوس، والنساء الماجدات، لهي أفعال  محرمة دينياً ومجرمة أخلاقياً واجتماعيا ً وثوريا.

إن الشعب الليبي الذي عاني كثيراً بما تنوء بحمله الجبال، لم يعد لديه متسع من وقت ليهدره في صراعات ونزاعات واتهامات بغير حق، و يكاد يضيق ذرعاً بكل المحاولات غير المقبولة التي تجره للخلف، وتعيد إنتاج ممارسات الظلم والبغي.

وينبغي لنا جميعا أن نحفظ للدولة هيبتها، ونكرس مبدأ احترام شخصياتها الاعتبارية، وننبذ أساليب الشتم والقذف والإيذاء التي تحرمها الأديان ويمجها الذوق، وتأباها المروءة، وينفر منها العقل والعرف.

إن ما تعرضت له معالي الدكتورة “فاطمة الحمروش” وزير الصحة  من تطاول وإيذاء له مخالف لقيم المروءة، بعيد عما تمليه قيم ليبيا الجديدة، ليبيا التي نحلم جميعاً أن يكون الحوار عبر مؤسساته المدنية هو الوسيلة الوحيدة التي نُظهر من خلالها موقفنا ونبدي عن وجهات نظرنا بغض النظر عن أي دوافع او مظالم التي من شئننا ان نردها بأساليب حضارية وعبر اجراءات قانونية سليمة .

إن ليبيا الجديدة ليست جماهيرية ثانية إذ يبدو أن البعض لم يستوعب بعد ان ثورة 17 فبراير هي ثورة من أجل ارساء دولة القانون وحقوق الانسان وانها ليست استمراراً  لهمجية العهد المنهار ولا تعني إزاحة القدافي وأبنائه وأزلامه لكي يحل البعض محلهم في ممارساتهم الهمجية غير الأخلاقية . 

عاشت ليبيا طاهرة ناصعة متطلعة لمستقبل بهيج يفوح بأريج الحرية دون تعكير من تصرفات غير مسؤولة أو رؤية ضيقة تضرب بعرض الحائط كل ما يخالفها.. والعزة للشعب والمجد للشهداء.